كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في القاموس: والجنوب: ريح تخالف الشمال، مهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا، وعن ابن هشام اللخمي أن الجنوب هي الريح القبلية.
وفي الجمع بين العباب والمحكم: والجنوب ريح تخالف الشمال تأتي عن يمين القبلة، وقيل: هي من الرياح ما استقبلك عن شمالك إذا وقفت في القبلة، قال ابن الأعرابي: ومهب الجنوب من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا، وقال الأصمعي: إذا جاءت الجنوب جاء معها خير وتلقيح، وإذا جاءت الشمال نشفت، ويقال للمتصافيين: ريحهما جنوب، وإذا تفرقا قيل: شملت ريحهما، وعن ابن الأعرابي: الجنوب في كل موضع حارة إلا بنجد فإنها باردة؛ وقال ابن القاص: وإذا هبت فقوتها في العلو والهواء أكثر لأنها موكلة بالسحاب، وتحرك الأغصان ورءوس الأشجار، ومع ذلك فتراها تؤلف الغيم في السماء، فتراه متراكمًا مشحونًا، قال: وسمعت من يقول: ما اشتد هبوبها إلا خيف المطر، ولا هبت جنوب قط ثم يتبعها دبور إلا وقع مطر، وهي تهيج البحر وتظهر بكل ندى كامل في الأرض، وهي من ريح الجنة.
والدبور- قال في القاموس: ريح تقابل الصبا، وقال القزاز: هي التي تأتي من دبر الكعبة وهي التي تقابل مطلع الشمس، وقال ابن القاص: تهب ما بين مغارب الشمس في الصيف إلى مطلع بنات نعش، وقوتها في الأرض أشد من قوتها في الهواء، وهي إذا هبت تثير الغبار.
وتكسح الأرض.
وترفع الذيول، وتضرب الأقدام، وأشد ما تثير الغبار إذا تنكبت، تراها كأنها تعلب بالتراب على وجه الأرض، وترى الأشجار في البوادي والرمال لها دوي من ناحية الدبور، وقد اجتمع في أصلها التراب وما يلي الجنوب عاريًا مكشوفًا متحفزًا وقوتها في الأرض- والله أعلم، لأن عادًا أو عدت بالتدمير بالرياح، فحفرت الآبار واستكنت فيها، فبعث الله الدبور فدخلت الآبار وقذفتهم متدمرين حتى أهلكتهم.
والشمال- قال في القاموس: الريح التي تهب من قبل الحجر، والصحيح أنه ما مهبه ما بين مطله الشمس وبنات نعش، أو من مطلع النعش إلى مسقط النسر الطائر، ولا تكاد تهب ليلًا.
وقال القزاز: هي الريح التي تأتي عن شمالك إذا استقبلت مطلع الشمس، والعرب تقول: إن الجنوب قالت للشمال: إن لي عليك فضلًا، أنا أسري وأنت لا تسرين، فقالت الشمال: إن الحرة لا تسرين، وقال الصغاني في مجمع البحرين: والشمال: الريح التي تهب من ناحية القطب، وعن أبي حنيفة: هي التي تهب من جهة القطب الشمالي وهي الجربياء وهي الشامية لأنها تأتيهم من شق الشام، وفي الجمع بين العباب والمحكم، والبوارح: شدة الرياح من الشمال في الصيف دون الشتاء كأنه جمع بارحة، وقيل: البوارح: الرياح الشدائد التي تحمل التراب، واحدتها بارح، والجربياء: الريح التي بين الجنوب والصبا، وقيل: هي النكباء التي تجري بين الشمال والدبور، وهي ريح تقشع السحاب، وقيل هي الشمال، وجربياؤها بردها- قاله الأصمعي، وقال الليث: هي الشمال الباردة، وقال ابن القاص: والشمال تهب ما بين مطلع بنات نعش إلى مطلع الشمس في الشتاء، وهي تقطع الغيم وتمحوها، ولذلك سميت الشمال المحوة، قال: وهذا بأرض الحجاز، وأما أرض العراق والمشرق فربما ساق الجنوب غيمًا واستداره ولم يحلبه حتى تهب الشمال فتحلبه، والجنوب والشمال متماثلتان، لأنهما موكلتان بالسحاب، فالجنوب تطردها وهي مشحونة، والشمال تردها وتمحوها إذا أفرغت، قال أبو عبيدة: الشمال عند العرب للروح، والجنوب للأمطار والندى، والدبور للبلاء، وأهونه أن يكون غبارًا عاصفًا يقذي العيون، والصبا لإلقاح الشجر، وكل ريح من هذه الرياح انحرفت فوقعت بين ريحين فهي نكباء، وسميت لعدولها عن مهب الأربع اللواتي وصفن قبل-. انتهى.
وقال المسعودي في مروج الذهب في ذكر البوادي من الناس وسبب اختيار البدو: إن شخصًا من خطباء العرب وفد على كسرى فسأله عن أشياء منها الرياح فقال: ما بين سهيل إلى طرف بياض الفجر جنوب، وما بإزائهما مما يستقبلهما من المغرب شمال، وما جاء من وراء الكعبة فهي دبور، وما جاء من قبل ذلك فهي صبا، ونقل ابن كثير في سورة النور عن ابن أبي حاتم وابن جرير عن عبيد بن عمير الليثي أنه قال: يبعث الله المثيرة فتقم الأرض قمًا، ثم يبعث الله الناشئة فتنشيء السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح السحاب.
ولما انكشف بما مضى من الآيات.
ما كانوا في ظلامه من واهي الشبهات، واتضحت الأدلة، ولم تبق لأحد في شيء من ذلك علة.
كرر سبحانه الإنكار في قوله: {أإله مع الله} أي الذي كمل علمه فشملت قدرته.
ولما ذكر حالة الاضطرار، وأتبعها من صورها ما منه ظلمة البحر، وكانوا في البحر يخلصون له سبحانه ويتركون شركاءهم، نبههم على أن ذلك موجب لاعتقاد كون الإخلاص له واجبًا دائمًا، فأتبعه قوله على سبيل الاستعظام، معرضًا عنهم بإجماع العشرة إعراض من بلغ به الغضب: {تعالى الله} أي الفاعل القادر المختار الذي لا كفوء له {عما يشركون}، أي فإن شيئًا منها لا يقدر على شيء من ذلك، وأين رتبة العجز من رتبة القدرة.
ولما رتب سبحانه هذه الأدلة على هذا الوجه ترقيًا من أعم إلى أخص، ومن أرض إلى سماء، ختمها بما يعمها وغيرها، إرشادًا إلى قياس ما غاب منها على ما شوهد، فلزم من ذلك قطعًا القدرة على الإعادة، فساقها لذلك سياق المشاهد المسلم، وعد من أنكره في عداد من لا يلتفت إليه فقال: {أمن يبدأ الخلق} أي كله: ما علمتم منه وما لم تعلموا، ثم بيده لأن كل شيء هالك إلا وجهه، له هذا الوصف باعترافكم يتجدد أبدًا تعلقه.
ولما كان من اللازم البين لهم الإقرار بالإعادة لاعترافهم بأن كل من أبدى شيئًا قادر على إعادته، لأن الإعادة أهون، قال: {ثم يعيده} أي بعد ما يبيده.
ولما كان الإمطار والإنبات من أدل ما يكون على الإعادة، قال مشيرًا إليهما على وجه عم جميع ما مضى: {ومن يرزقكم من السماء} أي بالمطر والحر والبرد وغيرهما مما له سبب في التكوين أو التلوين {والأرض} أي بالنبات والمعادن والحيوان وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله، وعر عنهما بالرزق لأن به تمام النعمة {أإله مع الله} أي الذي له صفات الجلال والإكرام، كائن، أو يفعل شيئًا من ذلك.
ولما كانت هذه كلها براهين ساطعة، ودلائل قاطعة، وأنوارًا لامعة، وحججًا باهرة، وبينات ظاهرة، وسلاطين قاهرة، على التوحيد المستلزم للقدرة على البعث وغيره من كل ممكن، أمره صلى الله عليه وسلم إعراضًا عنهم، إيذانًا بالغضب في آخرها بأمرهم بالإتيان ببرهان واحد على صحة معتقدهم فقال: {قل} أي هؤلاء المدعين للعقول {هاتوا برهانكم} أي على نفي شيء من ذلك عن الله تعالى، أو على إثبات شيء منه لغيره، لتثبت دعوى الشركة في الخلق فتسمع دعوى الشركة في الألوهية، وليكن إتيانكم بذلك ناجزًا من غير مهلة، لأن من يدعي العقل لا يقدر على شيء إلا ببرهان حاضر {إن كنتم صادقين} أي في أنكم على حق في أن مع الله غيره.
وأضاف البرهان إليهم إضافة ما كأنه عنيد، لا كلام في وجوده وتحققه، وإنما المراد الإتيان به كل ذلك تهكمًا بهم وتنبيهًا على أنهم أبعدوا في الضلال، وأعرقوا في المحال، حيث رضوا لأنفسهم بتدين لا يصير إليه عاقل إلا بعد تحقق القطع بصحته، ولا شبهة في أنه لا شبهة لهم على شيء منه.
ولما كانت مضمونات هذه البراهين متوقفة على علم الغيب، لأنه لا يخرج الخبء باختراع الخلق وكشف الضر وإحكام التدبير إلا به، لأنه لا قدرة أصلًا لمن لا علم له ولا تمام لقدرة من لا تمام لعلمه- كما مضى بيانه في طه، وطالبهم سبحانه آخر هذه البراهين بالبرهان على الشرك، وكانوا ربما قالوا: سنأتي به، أمر أن يعلموا أنه لا برهان لهم عليه، بل البرهان قائم على خلافه، فقال: {قل} أي لهم أو لكل من يدعي دعواهم: {لا يعلم} أحد، ولكنه عبر بأداة العقلاء فقال: {من} لئلا يخصها متعنت بما لا يعقل، عبر بالظرف تنبيهًا على أن المظروف محجوب، وكل ظرف حاجب لمظروفه عن علم ما وراءه، فقال: {في السماوات والأرض الغيب} أي الكامل في الغيبة، وهو الذي لم يخرج إلى عالم الشهادة أصلًا، ولا دلت عليه أمارة، ليقدر على شيء مما تقدم في هذه الآيات من الأمور فيعلمه.
ولما كان الله تعالى منزهًا عن أن يحويه مكان.
جعل الاستثناء هنا منقطعًا، ومن حق المنقطع النصب كما قرأ به ابن أبي عبلة شاذًا، لكنه رفع بإجماع العشرة بدلًا على لغة بني تميم، فقيل: {إلا الله} أي المختص بصفات الكمال كما قيل في الشعر:
وبلدة ليس بها أنيس ** إلا اليعافير وإلا العيس

بمعنى: إن كانت اليعافير أنيساَ ففيها أنيس، بتًا للقول بخلوها من الأنيس، فيكون معنى الآية: إن كان الله جل وعلا ممن في السماوات والأرض ففيهم من يعلم الغيب، يعني إن علم أحدهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، ويصح كونه متصلًا، والظرفية في حقه سبحانه مجاز بالنسبة إلى علمه وإن كان فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وعلى هذا فيرتفع على البدل أو الصفة، والرفع أفصح من النصب، لأنه من منفي، وقد عرف بهذا سر كونه لم يقل لا يعلم أحد الغيب إلا هو وهو التنبيه على المظروفية والحاجة، وأن الظرف حجاب، لا يرتاب فيه مرتاب، وجعل ابن مالك متعلق الظرف خاصًا تقديره: يذكر، وجعل غيره {من} مفعولًا والغيب بدل اشتمال، والاستثناء مفرغًا، فالتقدير: لا يعلم غيب المذكورين- أي ما غاب عنهم- كلهم غيره.
ولما كان الخبر- الذي لم يطلع عليه أحد من الناس- قد يخبر به الكهان، أو أحد من الجان، من أجواف الأوثان، وكانوا يسمون هذا غبيًا وإن كان في الحقيقة ليس به لسماعهم له من السماء بعد ما أبرزه الله إلى عالم الشهادة للملائكة ومن يريد من عباده، وكانوا ربما تعتنوا به عن العبارة، وكانت الساعة قد ثبت أمرها، وشاع في القرآن وعلى لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم ذكرها، بحيث صارت بمنزلة ما لا نزاع فيه، وكان علم وقتها من الغيب المحض، قال: {وما يشعرون} أي أحد ممن في السماوات والأرض وإن اجتمعوا وتعاونوا {أيان} أي أيّ وقت {يبعثون} فمن أعلم بشيء من ذلك على الحقيقة بأن صدقه، ومن تخرص ظهر كذبه.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث والكفر قد عم الأرض، وكانوا قد أكثروا في التكذيب بالساعة والقطع بالإنكار لها بعضهم صريحًا، وبعضهم لزومًا، لضلاله عن منهاج الرسل وكان الذي ينبغي للعالم الحكيم أن لا يقطع بالشيء إلا بعد إحاطة علمه به، قال متهكمًا بهم كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك! استهزاء به مستدركًا لنفي شعورهم بها بيانًا لكذبهم باضطراب قولهم: {بل ادّارك} أي بلغ وتناهي {علمهم في الآخرة} أي أمرها مطلقًا: علم وقتها ومقدار عظمتها في هو لها وغير ذلك من نعتها لقطعهم بإنكارها وتمالؤهم عليه، وتنويع العبارات فيه، وتفريع القول في أمره- هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وكذا في قراءة الباقين: ادّارك بمعنى تدارك يعني تتابع واستحكم.
ولما كانوا مع تصريحهم بالقطع في إنكارها كاذبين في قطعهم، مرتبكين في جهلهم، وقد يعبرون- دليلًا على أنه لا علم من ذلك عندهم- بالشك، قال تعالى: {بل هم في شك} ولما كانت لشدة ظهورها لقوة أدلتها كأنها موجودة، عبر بمن، أي مبتدىء {منها} ولما كانوا يجزمون بنفيها تارة ويترددون أخرى، كانت حقيقة حال من ينكر الشيء تارة على سبيل القطع وأخرى وجه الشك الوصف بالجهل البالغ به قال: {بل هم} ولما كان الإنسان مطبوعًا على نقائص موجبة لطغيانه، ومبالغته في العلو في جميع شأنه، ولا يوهن تلك النقائص منه إلا الخوف من عرضه على ديانه، الموجب لجهله.
وتماديه على قبيح فعله، فقال مقدمًا للجار: {منها عمون} أي ابتدأ عماهم البالغ الثابت من اضطرابهم في أمرها، فضلوا فأعماهم ضلالهم عن جميع ما ينفعهم، فصاروا لا ينتفعون بعقولهم، بل انعكس نفعها ضرًا، وخيرها شرًا، ونسب ما ذكر لجميع من في السماوات والأرض، لأن فعل البعض قد يسند إلى الكل لغرض، وهو هنا التنبيه على عظمة هذا الأمر، وتناهي وصفه، وأنه يجب على الكل الاعتناء به، والوقوف على حقه، والتناهي عن باطله، أو لشك البعض وسكوت الباقي لقصد تهويله، أو أن إدراك العلم من حيث التهويل بقيام الأدلة التي هي أوضح من الشمس، فهم بها في قوة من أدرك علمه بالشيء، وهو معرض عنه، فقد فوّت على نفسه من الخير ما لا يدري كنهه، ثم نزل درجة أخرى بالشك ثم أهلكها بالكلية، وأنزلها العمى عن رتبة البهائم التي لا همّ لها إلا لذة البطن والفرج، وهذا كمن يسمع باختلاف المذاهب وتضليل بعضهم لبعض فيضلل بعضهم من غير نظر في قوله فيصير خابطًا خبط عشواء، ويكون أمره على خصمه هينًا أو الشك لأجل أن أعمالهم أعمال الشاك، أو أنهم لعدم علم الوقت بعينة كأنهم في شك بل عمى، ولأن العقول والعلوم لا تستقل بإدراك شيء من أمرها، وإنما يؤخذ ذلك عن الله بواسطة رسله من الملك والبشر.
ومن أخذ شيئًا من علمها عن غيرهم ضل. اهـ.